فصل: تفسير الآية رقم (267):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية دقيقة:

.الفرق بين الكبير والكثير:

أن الكثير مضمن بعدد، وليس كذلك الكبير، تقول: دار واحدة كبيرة، ولا يجوز كثيرة.

.الفرق بين المودة والمحبة:

أن المودة قد تكون بمعنى التمني نحو قولك: أود لو قدم زيد، بمعنى أتمنى لو قدم. ولا يجوز أحب لو قدم. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله} فلهم الجنة، والذين ينفقون أرواحهم وقلوبهم في سبيل الله فلهم الله، ومن أعطى تمرة إلى فقير يأخذها الله بيمينه ويربيها كما يربي أحدكم فلوة أو فصيلة حتى تكون أعظم من الجبل. فمن أعطى قلبه إلى الله فهو يربيه بين أصبعي جلاله حتى يصير أعظم من العرش بما فيه، وإن قومًا بذلوا المال لله، وقومًا بذلوا الحال بإيثار صفاء الأوقات وفتوحات الخلوات على طلاب الحق وأرباب الصدق للقيام بأمورهم في تشفي ما في صدورهم {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر: 9] فبذلوا ليحصلوا، وحصلوا لينفصلوا، وانفصلوا ليتصلوا، واتصلوا ليصلوا الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله في طلبه لا في طلب غيره من الثناء والجزاء {إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورًا} [الدهر: 9] {ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا} على الله بأن يقول: عملت هذا العمل لأجلك ووجب لي عليك الأجر {ولا أذى} بأن يطلب من الله غير الله. رأى أحمد بن خضرويه ربه في المنام فقال له: كل الناس يطلبون مني إلا أبا يزيد فإنه يطلبني {لهم أجرهم عند ربهم} ينزلهم في مرتبة العندية {عند مليك مقتدر} [القمر: 55] لا عند الجنة ولا عند النار. {قول معروف} يصدر عن العارف بالله في طلب المعروف {ومغفرة} له وأن لم يكن عنده ما يتصدق {خير} له عند ربه {من صدقة يتبعها} من الجهل {أذى} طلب غير الحق من الحق {والله غني} عن غيره {حليم} لا يعجل بالعقوبة على من يختار في الطلب غيره، ولولا حلمه فما للتراب ورب الأرباب {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} فالمعاملات إذا كانت مشوبة بالأغراض ففيها نوع من الإعراض، ومن أعرض عن الحق فقد أقبل على الباطل ومن أقبل على الباطل فقد أبطل حقوقه في الأعمال {فماذا بعد الحق إلا الضلال} [يونس: 32]. ولو كان قصدك في الصدقة طلب الحق لما مننت على الفقير بل كنت رهين منته حيث صار سبب وصولك إلى الحق، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «لولا الفقراء لهلك الأغنياء» أي لم يجدوا سبيلًا إلى الحق. وفسر بعضهم اليد العليا بيد الفقير، واليد السفلى بيد الغني. لأن الفقير يأخذ منه الدنيا ويعطيه الآخرة {كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر} لأنه لو كان مؤمنًا بالله لكان ينفق لله، ولو كان يؤمن بالآخرة لأنفق للآخرة لا للناس فمثل المرائي {كمثل صفوان عليه تراب} هو عمله {فأصابه وابل} وهو وابل الرد. «أنا أغنى الأغنياء عن الشرك» {فتركه صلدًا} مفلسًا خائبًا. {لا يقدرون عل شيء مما كسبوا} ليتوسلوا به إلى الله. {والله لا يهدي القوم الكافرين} بنعمة طلب شهود جماله فحرموا عن دولة وصاله. {وتثبيتًا من أنفسهم} وتخليصًا لنياتهم في طلب الحق ومرضاته من خطوط أنفسهم {كمثل جنة} هي قلب المخلص {بربوة} في رتبة عالية عند الحق {أصابها وابل} الواردت الربانية {فإن لم يصبها وابل فطل} الإلهامات {فآتت أكلها ضعفين} ضعف من نعيم الجنة وضعف من دولة الوصال وشهود ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فإن الله تعالى كما يعطي أهل الآخرة نصيبًا من الدنيا بالتبعية ولا يعطي أهل الدنيا نصيبًا من الآخرة، فكذلك يعطي أهل الله نصيبًا من الآخرة بالتبعية ولا يعطي أهل الآخرة ما لأهل الله من القربة {والله بما تعملون بصير} كيف تعملون ولماذا تعملون لابتغاء المرضاة أو لاستيفاء اللذات واستبقاء الحياة. ثم ضرب مثلًا لروح الإنسان وقلبه بجنةٍ له فيها من كل الثمرات إذا خلق في أحسن تقويم، مستعدًا لجميع الكرامات، مشرفًا بعلم السمات، منورًا بأنوار العقل والحواس السليمات، متوحدًا بحمل الأمانة، متفردًا برتبة الخلافة. جنة هي منظور نظر العناية تجري من تحتها أنهار الهداية، وأصاب صاحبها ضعف الإنسانية، {وله ذرية ضعفاء} من متولدات القوى البشرية في غاية الافتقار إلى التربية بأغذية ثمراتها {فأصابها إعصار} من أعمال البر {فيه نار} من الرياء والنفاق {فاحترقت} جنة الروحانية بنار صفات البشرية وتبدلت الأخلاق الروحية بالنفسية، والملكية بالشيطانية {كذلك يبين الله لكم الآيات لعلك تتفكرون} في إحسانه معكم بإيتاء الاستعداد الفطري، فلا تبطلوه بقبيح فعالكم، ولا تضيعوا أعماركم في طلب آمالكم، وتستعدوا للموت قبل حلول آجالكم والله المستعان وهو حسبي. اهـ.

.تفسير الآية رقم (267):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما رغب في الفعل وتخليصه عن الشوائب أتبعه المال المنفق منه فأمر بطيبه فقال: {يا أيها الذين آمنوا} أي أقروا بالإيمان {أنفقوا} أي تصديقًا لإيمانكم {من طيبات ما كسبتم} وإنما قدم الفعل لأنه ألصق بالإنسان وتطييبه أعم نفعًا، ولما ذكر ما أباحه سبحانه وتعالى من أرباح التجارات ونحوها أتبعه ما أباحه من منافع النباتات ونحوها منبهًا بذلك على أن كل ما يتقلب العباد فيه من أنفسهم وغيرها نعمة منه أنشأها من الأرض التي أبدعها من العدم ترغيبًا في الجود به وفي جعله خيارًا حلالًا وترهيبًا من الشح به وجعله دينًا أو حرامًا فقال: {ومما أخرجنا} أي بعظمتنا {لكم} نعمة منا عليكم {من الأرض} قال الحرالي: قدم خطاب المكتسبين بأعمالهم كأنهم المهاجرون وعطف عليهم المنفقين من الحرث والزرع كأنهم الأنصار- انتهى.
ولما أمر بذلك أكد الأمر به بالنهي عن ضده فقال: {ولا تيمموا} أي لا تتكلفوا أن تقصدوا {الخبيث منه} أي خاصة {تنفقون} قال الحرالي: الخبيث صيغة مبالغة بزيادة الياء من الخبث وهو ما ينافر حس النفس: ظاهره وباطنه، في مقابله ما يرتاح إليه من الطيب الذي ينبسط إليه ظاهرًا وباطنًا، وقال: ففي إلاحته معنى حصر كأنهم لا ينفقون إلا منه ليتجاوز النهي من ينفق من طيبه وخبيثه على غير قصد اختصاص النفقة من الخبيث- انتهى.
ثم أوضح قباحة ذلك بقوله: {ولستم بآخذيه} أي إذا كان لكم على أحد حق فأعطاكموه {إلا أن تغمضوا} أي تسامحوا {فيه} بالحياء مع الكراهة.
قال الحرالي: من الإغماض وهو الإغضاء عن العيب فيما يستعمل، أصله من الغمض وهي نومة تغشي الحس ثم تنقشع، وقال: ولما كان الآخذ هو الله سبحانه وتعالى ختم بقوله: {واعلموا} انتهى.
وعبر بالاسم الأعظم فقال: {أن الله} المستكمل لجميع صفات الكمال من الجلال والجمال {غني} يفضل على من أسلف خيرًا رغبة فيما عنده وليست به حاجة تدعوه إلى أخذ الرديء ولا رغبكم في أصل الإنفاق لحاجة منه إلى شيء مما عندكم وإنما ذلك لطف منه بكم ليجري عليه الثواب والعقاب {حميد} يجازي المحسن أفضل الجزاء على أنه لم يزل محمودًا ولا يزال عذب أو أثاب.
قال الحرالي: وهي صيغة مبالغة بزيادة ياء من الحمد الذي هو سواء أمر الله الذي لا تفاوت فيه من جهة إبدائه وافق الأنفس أو خالفها. اهـ.

.قال ابن عاشور:

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}. إفضاء إلى المقصود وهو الأمرُ بالصدقات بعد أن قُدم بين يديه مواعظ وترغيبٌ وتحذير.
وهي طريقة بلاغية في الخطابة والخِطاب.
فربما قدموا المطلوب ثم جاؤوا بما يكسبه قبولًا عند السامعين، وربما قدموا ما يكسب القبولَ قبل المقصود كما هنا.
وهذا من ارتكاب خلاف مقتضى الظاهر في ترتيب الجُمل، ونكتة ذلك أنّه قد شاع بين الناس الترغيب في الصدقة وتكرّر ذلك في نزول القرآن فصار غرضًا دينيًا مشهورًا، وكان الاهتمام بإيضاحه والترغيب في أحواله والتنفير من نقائصه أجدر بالبيان. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{ولا تيمموا} بتشديد التاء ومد الألف: البزي وابن فليح الباقون على الأصل {ومن يؤت الحكمة} بكسر التاء: يعقوب أي من يؤتيه الله. الباقون بالفتح {فنعما هي} ساكنة العين: أبو عمرو والمفضل ويحيى وأبو جعفر ونافع غير ورش {فنعما هي} بفتح النون وكسر العين: ابن عامر وعلي وحمزة وخلف والخراز، الباقون {فنعما هي} بكسر النون والعين والميم مشددة في القراءات، {ونكفر} بالنون والراء ساكنة: أبو جعفر ونافع وحمزة وخلف وعلي {ويكفر} بالياء والراء مرفوعة: ابن عامر وحفص والمفضل. الباقون {ونكفر} بالنون ورفع الراء {يحسبهم} وبابه بفتح السين: ابن عامر ويزيد وحمزة وعاصم غير الأعشى وهبيرة. {بسيماهم} بالإمالة: حمزة وعلي وابن شاذان عن خلاد مخيرًا. وقرأ أبو عمرو بالإمالة اللطيفة، وكذلك كل كلمة على ميزان فعلى.

.الوقوف:

{من الأرض} ز لعطف المتفقتين {تغمضوا فيه} ط، {حميد} O {الفحشاء} ج، وإن اتفقت الجملتان ولكن للفصل بين تخويف الشيطان الكذاب ووعد الله الحق الصادق، {فضلًا} ط، {عليم} O وقد يوصل على جعل ما بعده صفة، {من يشاء} ج لابتداء الشرط مع العطف. ومن قرأ: {ومن يؤت الحكمة} بالكسر فالوصل أجوز. {كثيرًا} ط، {الألباب} O {يعلمه} ط، {أنصار} O {فنعما هي} ج، {خير لكم} ط، لمن قرأ: {ونكفر} مرفوعًا بالنون أو الياء على الاستئناف. ومن جزم بالعطف على موضع فهو خير لكم لم يقف {سيئاتكم} ط، {خبير} O {من يشاء} ط لابتداء الشرط {فلأنفسكم} ط لابتداء النفي، {وجه الله} ط، {لا يظلمون} O {في الأرض} ز لأن {يحسبهم} وإن صلحت حالًا بعد حال نظمًا، ولكن لا يليق بحال من أحصر. {التعفف} ز لأن {تعرفهم} تصلح استئنافًا والحال أوجه أي يحسبهم الجاهل أغنياء وأنت تعرفهم بحقيقة ما في بطونهم من الضر وهم لا يسألون الناس على إلحاف. وقد يجعل {لا يسألون} استئنافًا فيجوز الوقف على {سيماهم} {إلحافًا} ط، {عليم} O {عند ربهم} ج {يحزنون} O. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنه رغب في الإنفاق، ثم بيّن أن الإنفاق على قسمين: منه ما يتبعه المن والأذى، ومنه ما لا يتبعه ذلك.
ثم إنه تعالى شرح ما يتعلق بكل واحد من هذين القسمين، وضرب لكل واحد منهما مثلا يكشف عن المعنى ويوضح المقصود منه على أبلغ الوجوه.
ثم إنه تعالى ذكر في هذه الآية أن المال الذي أمر بإنفاقه في سبيل الله كيف ينبغي أن يكون فقال: {أَنفِقُواْ مِن طيبات مَا كَسَبْتُمْ} واختلفوا في أن قوله: {أَنفَقُواْ} المراد منه ماذا فقال الحسن: المراد منه الزكاة المفروضة وقال قوم: المراد منه التطوع وقال ثالث: إنه يتناول الفرض والنفل، حجة من قال المراد منه الزكاة المفروضة أن قوله: {أَنفَقُواْ} أمر وظاهر الأمر للوجوب والإنفاق الواجب ليس إلا الزكاة وسائر النفقات الواجبة، حجة من قال المراد صدقة التطوع ما روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه والحسن ومجاهد: أنهم كانوا يتصدقون بشرار ثمارهم ورديء أموالهم فأنزل الله هذه الآية، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: جاء رجل ذات يوم بعِذْق حَشَف فوضعه في الصدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بئس ما صنع صاحب هذا» فأنزل الله تعالى هذه الآية، حجة من قال الفرض والنفل داخلان في هذه الآية أن المفهوم من الأمر ترجيح جانب الفعل على جانب الترك من غير أن يكون فيه بيان أنه يجوز الترك أو لا يجوز، وهذا المفهوم قدر مشترك بين الفرض والنفل، فوجب أن يكونا داخلين تحت الأمر. اهـ.